فتوانمبر(۴۶۰)
مفتي :
سترعلمي اورحاني شخصيت مفتي ، علامه محمدمعين الدين ابوالفضل ،کا ن الله ودامت برکاته ـ
مستفتي : سردارداود
السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته ، قدرمن مولوي ابوالفضل صاحب ، هيله ده چي جوړاوروغ ياست ـ
اياوموراوپلارته اوواستادته دتعظيم په غرض ولاړېدل روادي اوکه نه ؟اوکه رواوي نوڅه دليل يې دئ ـ
الجواب ومنه الصواب ـ
نحمده ونصلي علي رسوله الکريم :
داستاذياموراوپلاراوعالمانوته داحترام اودتعظيم په خاطردرېدل روادئ بلکي فقهاوو ورته مستحب ويلي دي ، والله تعالي اعلم ـ
ففي ردالمحتار:کتاب الحضروالاباحة قبيل فصل البيع : ج۵ ، ص۲۴۶ : وفي الوهبانية : يجوزبل يندب القيام تعظيماللقادم کمايجوزالقيام ولوللقاري بين يدي العالم »اي ان کان ممن يستحق التعظيم ، قال في القنية قيام الجالس في المسجدلمن دخل عليه تعظيماوقيام قارئ القرآن لمن يجيءتعظيمالايکره اذاکان ممن يستحق التعظیم ـ
قال العلامة الشربيني في كتابه: (مغني المحتاج) ويسن القيام لأهل الفضل من علم وصلاح أو شرف أو نحو ذلك ولا رياء وتفخيما قال في الروضة: وقد ثبتت فيه أحاديث صحيحة ـ
اونورتفصیل له دغه لاندي تحقیق څخه ترلاسه کړه ـ---
ادلة القيام من القران الکريم والسنة النبوية واقوال العلماء الکبار
أدلة القيام:
أ- من القرآن الكريم : قال تعالى ﴿واخفض جناحك للمؤمنين﴾( [1]).
وقال أيضا: ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾( [2]).
فإذا كان تعظيم شعائر الله – وهي البدن المهداة للبيت المعظم- من التقوى وكمال الإيمان، فالأولى تعظيم المؤمن الذي هو أفضل من الحرم ، بل أفضل من الكعبة قال سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مخاطبا الكعبة: «ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك»( [3]).
ومن وجوه تعظيم المؤمن القيام له.
ب- من السنة الشريفة:
عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد هو ابن معاذ بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان قريبا منه فجاء على حمار فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قوموا لسيدكم) وفي رواية قوموا إلى خيركم أو إلى سيدكم، قال: (إن هؤلاء نزلوا على حكمك) قال فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبي الذرية قال: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك)( [4]).
وعن سيدنا كعب بن مالك رضي الله عنه في حديث تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك قال فيه بعد كلام طويل: ( ... وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنؤوني بالتوبة ويقولون لي : لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني..)( [5]).
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحدا كان اشبه سمتا وهديا ودلا وقال الحسن حديثا وكلاما (ولم يذكر الحسن السمت والهدي والدل) برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة كرم الله وجهها: كانت إذا دخلت عليه قام اليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها( [6]).
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عريانا( [7]) يجر ثوبه فاعتنقه وقبله)( [8]).
وأخرج مالك في قصة سيدنا عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه لما فر إلى اليمن يوم الفتح ورحلت امرأته إليه حتى أعادته إلى مكة مسلما فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثب إليه ورمى عليه رداءه.
وفي قصة سيدنا جعفر لما قدم من الحبشة قام له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل عينيه والتزمه وقال: «ما أدري بأيهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ». (سيرة ابن هشام ص 159).وعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنه قال: (حدثتني أمي أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى العباس قادما فقام إليه وقبل ما بين عينيه وأقامه عن يمينه ثم قال: (هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه)( [9]).
وعن سيدنا عمر بن السائب أنه بلغه : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالسا فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له ثوبه فقعد عليه ، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من الجانب الآخر فجلست عليه ثم اقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجلسه بين يديه)( [10]).
وعن سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنها أنه كان في سرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص فلما نفرنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟! فقلنا : ندخل المدينة فنثبت فيها لنذهب ولا يرانا أحد قال: فلما دخلنا المدينة قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كان لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا قال: فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الغداة فلما خرج قمنا إليه فقلنا : نحن الفرارون فأقبل علينا وقال: لا ، بل أنتم العكارون( [11]) قال فدنونا فقبلنا يده فقال: أنا فئة المسلمين)( [12]).
وروي عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه إنه إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدثهم فقام قاموا حتى يرى أنه دخل إلى بعض أزواجه.
وهذا الأثر يدل على القيام عند الانصراف أما ما سبقه من أحاديث فإنها تدل على القيام عند القدوم.
جـ- من أقوال العلماء:
1- من أقوال شُرَّاح الحديث وأصحاب السير:
قال البدر العيني في (عمدة القاري) عند شرحه لحديث أبي سعيد (قوموا لسيدكم)( [13]) وقال الخطابي في حديث الباب (قوموا لسيدكم) جواز إطلاق السيد على الحبر الفاضل وفيه أن قيام المرؤوس للرئيس الفاضل والإمام العادل والمتعلم للعالم مستحب وإنما يكره لمن كان بغير هذه الصفات.وعن أبي الوليد بن رشد أن القيام على أربعة أوجه:
• الأول: محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه.
• والثاني: مكروه ، وهو ما يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه شيء بسبب ما يحذره ولما فيه من التشبه بالجبابرة.
• والثالث: جائز وهو أن يقع على سبب البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.
• والرابع: مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها ، أو مصيبة فيعزيه بها... .
وقال البيهقي: القيام على وجه البر والإكرام جائز كقيام الأنصار لسعد وطلحة لكعب ولا ينبغي لمن يقام له أن يعتقد استحقاقه لذلك حتى إن ترك القيام له حنق( [14]) عليه أو عاتبه أو شكاه( [15]).
وقال المناوي في كتابه (فيض القدير) في شرح الحديث السابق (قوموا) خطابا للأنصار ولجميع من حضر منهم ومن المهاجرين (إلى سيدكم) سعد بن معاذ القادم عليكم لما له من الشرف المقتضي للتعظيم وقيل معناه: قوموا لإعانته في النزول عن الدابة لما به من الجرح الذي أصاب أكحله يوم الأحزاب وأيده التوربشتي بأنه لو أراد تعظيمه لقال: قوموا لسيدكم ورد الطيبي بأن (إلى )في هذا المقام أفخم من اللام كأن قيل: قوموا إليه تلقيا وإكراما ويدل له ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله (إلى سيدكم) علة للقيام له وفيه ندب وإكرام أهل الفضل من عالم او صالح أو ذي شرف بالقيام لهم إذا أقبلوا والتنبيه على شرف ذوي الشرف والتعريف بأقدارهم وتنزيلهم منازلهم . وقد قام المصطفى لعكرمة بن أبي جهل لكونه من رؤساء قريش ولعدي بن حاتم لكونه سيد بني طيء يتألفهما به. أهـ كلام المناوي( [16]).
وقال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي تعليقا على هذا الحديث: وقد استدل عامة العلماء بهذا الحديث وغيره على مشروعية إكرام الصالحين والعلماء بالقيام اليهم في المناسبات الداعية إلى ذلك عرفا يقول الإمام النووي في تعليق على هذا الحديث فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام قال القاضي: (وليس هذا من القيام المنهي عنه وإنما ذلك فيمن يقومون عليه وهو جالس ويمثلون قياما طول جلوسه( [17]).
قلت: القيام للقادم من أهل الفضل مستحب وقد جاء فيه أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح( [18]).
وقال العلامة السفاريني في كتابه: (غذاء الألباب) ... (وفي مسند الإمام احمد رضي الله عنه : (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ) لكن ينصر كون الآمر للقيام له آخر الخبر: وكان رجال بني الأشهل يقولون:قمنا له على أرجلنا صفين يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في السيرة الشامية)( [19]).
وقد ذكر هذا الخبر العلامة علي بن برهان الدين الحلبي في كتابه السيرة الحلبية( [20]).
كما ذكره أيضا مفتي السادة الشافعية بمكة المشرفة العلامة أحمد زيني دحلان في كتابه السيرة النبوية والآثار المحمدية( [21]) .
2- من أقوال السلف الصالح:
عن سيدنا حماد بن زيد رضي الله عنه قال: كنا عند أيوب فجاء يونس فقال حماد : قوموا لسيدكم أو لسيدنا( [22]).
وعن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه أتاه أبو إبراهيم الزهري فسلم عليه فلما رآه أحمد وثب قائما وأكرمه فلما مضى قال له ابنه عبدالله : يا أبت ! أبو إبراهيم شاب وتقوم إليه؟! فقال: يا بني لا تعارض في مثل هذا ألا أقوم إلى ابن عبدالرحمن بن عوف؟!
وقال الإمام أبو عبدالرحمن السلمي في كتابه (آداب الصحابة) ويقوم لإخوانه إذا أبصرهم مقبلين ولا يقعد إلا بقعودهم وأنشد:
فلما بصرنا به مقبلا حللنا الحبا وابتدرنا القيام
فلا تنكرن قيامي له فإن الكريم يجل الكرام
وقد أنشد أبو موسى الأصبهاني لبعضهم:
قيامي والعزيز اليك حق وترك الحق مالا يستقيم
فهل أحد له عقل ولب ومعرفة يراك ولا يقوم؟!
وقال الشيخ عبدالباسط العلموني رحمه الله تعالى في كتابه (المعيد في أدب المفيد والمستفيد) : (... وروي أن يحيى بن سعيد القطان كان يصلي العصر، ثم استند إلى أصل منارة المسجد فوقف بين يديه علي بن المديني والشاذكوني وعمرو بن علي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب لا يقول لواحد منهم اجلس ولا يجلسون هيبة له وإعظاما قلت: وهذا القيام بين يديه لله لا له ، وإنما لما خصه الله من العلم... فلا يدخل في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار»( [23]) لأنه لا يحب ذلك لنفسه وإنما للسر المودع فيه من العلم ولتهذيب أخلاق الطلبة وصونهم عن التكبر وتخلقهم بالتواضع والله أعلم.
ثم ذكر آداب المتعلم مع شيخه ففقال: (... ومنها: أن يقوم بقيام الشيخ ولا يجلس وهو قائم ولا يضطجع وهو قائم أو قاعد بل لا يضطجع بحضرته مطلقا إلا أن يكون وقت نوم ويأذن له ويقوم له كلما ورد عليه ولو تكرر لزيادة التوقير والإعظام والاحترام)( [24]).
3- من أقوال فقهاء المذاهب الأربعة:
المذهب الشافعي: قال العلامة الشربيني في كتابه: (مغني المحتاج) ويسن القيام لأهل الفضل من علم وصلاح أو شرف أو نحو ذلك ولا رياء وتفخيما قال في الروضة: وقد ثبتت فيه أحاديث صحيحة( [25]).
وقال العلامة الباجوري في حاشيته: ويسن القيام لأهل الفضل إكراما لا رياء وتفخيما بخلاف غير أهل الفضل فلا يطلب القيام لهم إلا لحاجة أو ضرورة وخرج بالقيام نحو الركوع بين يدي الأمراء فهو حرام ولو مع الطهارة واستقبال القبلة كما قال العلامة ابن حجر. وقال الإمام الغزالي الشافعي رحمه الله : القيام مكروه على سبيل الإعظام إلا على وجه الإكرام( [26]).
المذهب الحنفي: قال العلامة ابن عابدين في حاشيته: (وفي الوهبانية يجوز، بل يندب القيام تعظيما للقادم كما يجوز القيام ولو للقارئ بين يدي العالم (قال في القنية: قيام الجالس في المسجد لمن دخل عليه تعظيما وقيام قارئ القرآن لمن جيء تعظيما لا يكره إذا كان ممن يستحق التعظيم) وفي مشكل الآثار (القيام لغيره ليس بمكروه لعينه إنما المكروه محبة القيام لمن يقام له فإن قام لمن لا يقام له لا يكره قال ابن وهبان: أقول : وفي عصرنا ينبغي أن يستحب ذلك – أي القيام- لما يورث تركه من الحقد والبغضاء والعداوة ولاسيما إذا كان في مكان اعتيد فيه القيام. وما ورد من التوعد عليه، في حق من يحب القيام بين يديه كما يفعله الترك والأعاجم)( [27]).
المذهب المالكي: قال القرافي في كتابه (الفروق) : ( اعلم أن الذي يباح من إكرام الناس قسمان:
القسم الأول: ما وردت به النصوص الشرعية من إفشاء السلام وإطعام الطعام ، وتشميت العاطس والمصافحة عند اللقاء... ).
القسم الثاني: ما لم يرد في النصوص ولا كان في السلف لأنه لم تكن أسباب اعتباره موجودة حينئذ وتجددت في عصرنا فتعين فعله لتجدد أسبابه لأنه شرع مستأنف وتأخر الحكم لتأخر سببه، ووقوعه عند وقوع سببه لا يقتضي تجديد شرع...
وهذا القسم هو ما في زماننا من القيام للداخل من الأعيان وإحناء الرأس له.. وهو جائز مأمور به مع كونه بدعة: ولقد حضرت يوما عند الشيخ عز الدين بن عبدالسلام وكان من اعيان العلماء وأولي الجد في الدين والقيام بمصالح المسلمين خاصة وعامة والثبات على الكتاب والسنة لا تأخذه في الله لومة لائم فقدمت إليه فتيا فيها: ما تقول أئمة الدين وفقهم الله في القيام الذي أحدثه أهل زماننا مع أنه لم يكن في السلف هل يجوز أم لا يجوز أو يحرم؟ فكتب إليه في الفتيا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا»( [28])، وترك القيام في هذا الوقت يفضي للمقاطعة والمدابرة فلو قيل بوجوبه ما كان بعيدا( [29]).
المذهب الحنبلي: قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه ( مختصر منهاج القاصدين) والقيام على ضربين:
1- قيام على رأسه وهو قاعد فهذا منهي عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار»( [30]). وهذه عادة الأعاجم والمتكبرين.
2- قيام عند مجيء الإنسان فقد كان السلف لا يكادون يفعلون ذلك . وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل وفضلاء الناس وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل فإذا تركه الإنسان في حق من يصلح أن يفعل في حقه لم يأمن أن ينسبه إلى إهانته والتقصير في حقه فيوجب هذا حقدا واستحباب هذا في حق القائم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ويرى أنه ليس بأهل لذلك( [31]).
• أقوال العلماء في أحاديث النهي عن القيام:
هناك بعض الأحاديث التي تدل على النهي عن القيام منها: حديث سيدنا أنس رضي الله عنه قال: (لم يكن شخص أحب اليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك)( [32]).
وحديث سيدنا معاوية رضي الله عنه : من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار( [33]).
وحديث سيدنا أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال: «لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا»( [34]).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : بعد أن أورد هذه الأحاديث في كتابه (الترخيص بالقيام): (أما الحديث الأول: وهو أقرب ما يحتج به للنهي فالجواب عنه من وجهين:
الجواب الأول: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاف عليهم وعلى من بعدهم الفتنة بإفراطهم في تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الآخر «لا تطروني( [35]) كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم»( [36]) فكره صلى الله عليه وآله وسلم قيامهم له لهذا المعنى ولم يكره قيام بعضهم لبعض بل قام صلى الله عليه وآله وسلم لبعضهم وقاموا لغيره بحضرته ولم ينههم عن ذلك بل أقره وأمر به في حديث القيام لسعد.
الجواب الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بينه وبين أصحابه من الأنس وكمال المودة والصفاء مالا يحتمل زيادة الإكرام فلم يكن بالقيام مقصود بخلاف غيره. أهـ( [37])
وقال الشيخ منصور علي ناصيف في كتابه (التاج): وحديث أنس يمكن تأويله بأن هذا كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيادة في التواضع وخوفا على الأمة من زيادة تعظيمه فربما جرهم إلى ما وقع فيه بعض اليهود والنصارى الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله﴾( [38]).
وربما جرهم إلى عمل الأعاجم من السجود لرؤسائهم .. بل قال الجمهور : إن القيام لأهل الفضل مستحب للحديثين الأولين: حديث القيام لسعد وحديث القيام لفاطمة وعمل السف والخلف على القيام من غير نكير وهذا هو الحق( [39]).
وقال الإمام الباجوري رحمه الله تعالى في كتابه (المواهب اللدنية) : لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك وإنما كرهه تواضع او شفقة عليهم وخوفا عليهم من الفتنة إذا أفرطوا في تعظيمه وكان لا يكره قيام بعضهم لبعض ولذلك قال: (قوموا لسيدكم) يعني سعد بن معاذ سيد الأوس فأمرهم بفعله لأنه حق لغيره فوفاه حقه وكره قيامه له لأنه حقه فتركه تواضعا... وقد قام صلى الله عليه وآله وسلم لعكرمة بن أبي جهل لما قدم عليه وكان يقوم لعدي بن حاتم كلما دخل عليه كما جاء ذلك في حديثين وهما وإن كانا ضعيفين يعمل بهما في الفضائل فزعم سقوط الاستدلال بهما وهم وقد ورد أنهم قاموا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيناقض ما هنا. إلا أن يقال في التوفيق أنهم إذ رأوه من بعد غير قاصد لهم لم يقوموا له، أو أنه إذا تكرر قيامه وعوده اليهم لم يقوموا فلا ينافي أنه إذا قدم عليهم أولا قاموا وإذا انصرف عنهم قاموا( [40]).
وقال الإمام النووي معلقا على الحديث الثاني من الأحاديث الثلاثة السابقة : (وأما الحديث الثاني فقد أولع أكثر الناس بالاحتجاج به والجواب عنه من أوجه: الأصح والأولى والأحسن بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أنه ليس فيه دلالة وذلك أن معناه الصريح الظاهر منها الزجر الأكيد والوعيد الشديد للإنسان أن يحب قيام الناس له وليس فيه تعرض للقيام بنهي ولا غيره وهذا متفق عليه وهو أنه لا يحل للآتي أن يحب قيام الناس له والمنهي عنه هو محبته للقيام ولا يشترط كراهته لذلك وخطور ذلك بباله حتى إذا لم يخطر بباله ذلك فقاموا له أو لم يقوموا فلا ذم عليه وإذا كان معنى الحديث ما ذكرناه فمحبة أن يقام له محرمة فإذا أحب فقد ارتكب التحريم سواء قيم له أو لم يقم فمدار التحريم على المحبة ولا تأثير لقيام القائم ولا نهي في حقه بحال فلا يصح الاحتجاج بهذا الحديث.
فإن قال من لا تحقيق عنده: إن قيام القائم سبب لوقوع هذا في المنهي عنه قلنا: هذا سؤال فاسد لا يستحق سائله جوابا... عن أحمد بن المفلس قال: قال أبو نصر بشر بن الحارث وقد ذكرت بين يديه حديث( لم يكن شخص أحب اليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذالك)( [41]).
فقال: الحديث إنما كره القيام على طريق الكبر وأما على طريق المودة فلا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عكرمة بن أبي جهل وألقى ثوبه لظئره وقال قوموا إلى سيدكم وقال صلى الله عليه وآله وسلم «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار»( [42]) من أحب أن تقوم له فلا تقم له... وأما أبو موسى الأصبهاني فقال: معنى الحديث أن يقوم الرجال على رأسه وهو قاعد كما يقام بين يدي الملوك أو أن يأمرهم بذلك ويلزمهم إياه على مذهب الكبر والنخوة( [43]).
وقال ابن بطال رحمه الله تعالى : وأجاب عنه الطبري بأن هذا الخبير إنما فيه نهي من يقوم له إكراما له وأجاب عنه ابن قتيبة بأن معناه من أراد أن يقوم الرجال على رأسه كما يقام بين ملوك الأعاجم وليس المراد به نهي الرجل عن القيام لأخيه إذا سلم عليه( [44]).
وقال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى في كتابه (فقه السيرة النبوية) بعد أن أورد أدلة القيام معلقا على هذا الحديث: (... واعلم أن هذا كله لا يتنافى مع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ) لأن مشروعية إكرام الفضلاء وتوقيرهم لا تستدعي السعي منهم إلى ذلك أو تعلق قلوبهم بمحبته قبل من أبرز صفات الصالحين والفضلاء أن يكونوا متواضعين لإخوانهم زهادا في طلب هذا الشيء أرأيت إلى الفقير المحتاج؟ إن الأدب الإسلامي يوصيه ويعلمه الترفع عن المسألة وإظهار الفاقة والحاجة للناس ولكن هذا الأدب الإسلامي نفسه يوصي الأغنياء بالبحث عن هؤلاء الفقراء المتعففين ويأمرهم بإكرامهم وإعطائهم من فضول أموالهم فلكل أحب وظيفة ولا ينبغي أن نخلط بينهما أو ننسخ الواحد بالآخر فإن ذلك من أسوأ مظاهر التسرع والجهل)( [45]).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في الحديث الثالث: (وأما الحديث الثالث: فالجواب عنه من وجهين ظاهرين حسنين: أحدهما : جواب الإمامين أبي بكر بن أبي عاصم وأبي موسى الأصبهاني أنه حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به.
والثاني: أن الحديث في نفسه بين المقصود منه ومن غيره وهو أن الذم لمن قام على طريق التعظيم كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا وهذا لاشك في ذمه والله أعلم( [46]).
ومن خلال أقوال العلماء والمحدثين في تفسير الأحاديث السابقة نرى أن المنهي عنه هو حب القيام لما يورث من الكبر البغيض والأمر بالقيام – عدا أمر المعلم تلاميذه والوالد أولاده للتعليم والتربية والتهذيب والقيام على رأس القاعد تشبها بملوك الفرس والروم من الأعاجم كما قال بعضهم والى هذا يشير الحديث الذي رواه سيدنا جابر رضي الله عنه إذ قال (اشتكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت الينا فرآنا قياما فأشار الينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال: «إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود : فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا»( [47]).
ولكن يستثنى من هذا النهي جواز القيام في حال قدوم رسل للعدو إلى الإمام أو الخليفة فقد ورد في حديث صلح الحديبية حينما جاء عروة بن مسعود يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته والمغيرة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي واقف والنبي جالس ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنصل السيف وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه (زاد المعاد) معلقا على هذه الحادثة: وفي قيام المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف ولم يكن عادته أن يقام على رأسه وهو قاعد سنة يقتدي بها عند قدوم رسل العدو ومن إظهار العز والفخر وتعظيم الإمام وطاعته ووقايته بالنفوس وهذه هي هي العادة الجارية عند قدوم رسل المؤمنين على الكافرين وقدوم رسل الكافرين على المؤمنين . وليس هذا من النوع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ) [48] كما أن الفخر والخيلاء في الحرب ليسا من هذا النوع المذموم في غيره( [49]).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : وقال أبو محمد البغوي(كذلك تجوز إقامة الإمام والوالي الرجل على رأسه في موضع الحرب ومقام الخوف)( [50]).
وقال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى في كتابه (فقه السيرة النبوية) معلقا على الحادثة السابقة تحت عنوان : حكم الوقوف على الإنسان وهو قاعد (لقد علمت مما سبق أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان واقفا على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه السيف وكلما أهوى عروة بن مسعود بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنصل السيف قائلا: أخر يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كنا ذكرناه فيما مضى عند الحديث عن غزوة بني قريظة أنه لا يشرع القيام على رأس أحد وهو قاعد وأن ذلك من مظاهر التعظيم الذي تعارفه الأعاجم فيما بينهم وأنكره الإسلام . فكيف كان الأمر على خلاف ذلك هنا؟ والجواب أن يستثني من عموم المنع مثل هذه الحالة بخصوصها أي في حالة قدوم رسل العدوا إلى الإمام أو الخليفة فلا بأس حينئذ من قيام حرس او جند على رأسه إظهارا للعزة الإسلامية وتعظيما للإمام وطاعة ووقاية له مما قد يفاجأ من سوء أما في أعم الأحوال فلا يجوز ذلك لمخالفته مقتضى التوحيد والعقيدة الإسلامية دون أية ضرورة إليه.
ويشبه هذا ما مر بيانه عند الحديث عن أبي دجانة في غزوة أحد فقد قلنا: إن ما يدل على الكبر أو التجبر في المشي ممنوع شرعا ولكنه جائز في حالة الحرب بخصوصها بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم عن مشية أبي دجانة (إنها لمشية يكرهها الله إلا في مثل هذا الموضع)( [51]).
القيام للجنازة
• حكم القيام للجنازة : اختلف الفقهاء والمحدثون في حكم القيام للجنازة وذلك لتعارض الأدلة في ذلك فعن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع»( [52]).
وعن سيدنا عبدالرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة بالقادسية فمر عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض وحمل الخراج فقالا مُرَّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجنازة فقام فقيل له: إنه يهودي فقال: أليست نفسا( [53])؟! وتعارض هذان الحديثان بحديث سيدنا علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قام للجنازة ثم قعد فذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة إلى أن حديث علي ناسخ للأمر بالقيام ولكنه في الحقيقة ليس نصا في النسخ لاحتمال أن قعوده صلى الله عليه وآله وسلم كان لبيان الجواز.
قال النووي رحمه الله تعالى: والمختار أنه مستحب ولم ينسخ حديث الأمر بالقيام وهذا هو الرأي الراجح فقد روى البيهقي من حديث أبي هريرة وغيره: «أن القائم كالحامل في الأجر» ـ
والسلام ومن الله التوفيق